
هي قصة امرأة استطاعت أن تحوّل العلم إلى شغف، والشغف إلى مشروع يحمل رؤية للمستقبل.
بسمة بكوش، الحاصلة على شهادة الماجستير في علم الأحياء الدقيقة، اكتشفت “السبيرولينا” خلال أبحاثها الجامعية. هذا الكائن الدقيق، الذي يتميز بخصائص غذائية وعلاجية فريدة، أصبح محور أطروحتها، حيث توصلت إلى وجود بروتين واعد في مقاومة بعض الأورام والأمراض. ثماني سنوات من البحث بين تونس والمنستير ولييج-بلجيكيا، صقلت شخصيتها العلمية ورؤيتها المهنية.
لكن عند عودتها إلى تونس، اصطدمت بالواقع الإداري المعقّد: أربع سنوات من الإجراءات، ورفض متكرر، ومركزية الخدمات، زادت من صعوبة المسار، خاصةً وهي أم شابة ترعى أطفالًا حديثي الولادة.
رغم كل العراقيل، لم تستسلم بسمة. استثمرت جزءًا من تمويلها في إنشاء مختبر صغير، بدأت فيه تجاربها، راقبت البروتين، طوّرت التركيبات، وصمّمت النماذج الأولية. عملت بصمت، وبإصرار نادر، حتى جاء اليوم الذي أخبرتها فيه صديقة عن إعلان ترشح لمشروع “صمود” نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أيام من غلق باب الترشح. ولحسن الحظ، تم تمديد المهلة، فتقدّمت بسمة، دون أن تتوقع الكثير. وهنا بدأت نقطة التحوّل.
لم يعد “صمود” مجرد مشروع، بل كان دعمًا حقيقيًا، إنسانيًا ومنظّمًا. تلقّت بسمة تدريبات متنوعة، عزّزت من مهاراتها الريادية، وساعدها الفريق على هيكلة مشروعها، تحسين تواصله، واستشراف حاجات السوق.
تقول بسمة: “مشاركتي في منتدى إفريقيا لمجموعة السبع في مدينة سيراكوزا الإيطالية كانت نقطة فارقة في مسيرتي الريادية.”


لأول مرة، عرضت منتجاتها إلى جانب علامات تجارية عالمية، وقدّمت مجموعة فاخرة صمّمتها خصيصًا لهذا الحدث. هناك، أدركت أهمية السرد القصصي، قوة التصميم، وشعور الفخر بتمثيل تونس في الخارج. “شعرت أن منتجي له مكانته، وأنه يرقى إلى المعايير الدولية.”
وبفضل التزامها وجديتها، استطاعت بسمة، بدعم من “صمود”، تركيب ألواح شمسية لتغذية مختبرها بالطاقة، وهو إنجاز مهم نظرًا للطاقة العالية التي يتطلبها إنتاجها. استثمرت في المعدات، طوّرت استراتيجيتها الإعلامية، وبنت شبكة علاقات إنسانية ومهنية تثري تجربتها يومًا بعد يوم.
اليوم، لم تعد “سبيروفيتا” مجرد مشروع بحث، بل أصبحت مؤسسة رائدة، متجذّرة في تونس، وموجهة نحو الابتكار والاستدامة. وبسمة، بتواضعها وقوتها الهادئة، تجسّد نموذجًا جديدًا للمرأة الريادية التي ترفع راية تونس عاليًا، داخل الوطن وخارجه.