
في ورشة صغيرة تتوارى بين نخيل الجنوب التونسي، ينبض الخشب بالحياة من جديد بين يدي رجل اختار أن يسلك طريقًا غير مألوف. السيّد قيّس، مؤسس مشروع “Palmiers Déco”، كان في الأصل أستاذًا لمادة العلوم الفيزيائية، لكنه حمل منذ طفولته شغفًا عميقًا بالأشغال اليدوية. إلى جانبه، تقف زوجته، أستاذة علوم الحياة والأرض، تشاركه حبّها للفن ولمس الخامات. معًا، حوّلا منزلهما إلى معرض فني حيّ، ومكان للإبداع والتعلّم، وهناك كانت البداية.
ذات يوم، وبينما يتأمل في خشب النخيل المهمل، أدرك أن هذا المورد الطبيعي يحمل إمكانيات هائلة لم تُستغل بعد. بدأ بالتجريب، وابتكر أسلوبه الخاص في التشطيب، وتحرّر تدريجيًا من الاعتماد على المتعاقدين، حتى أتقن العمل على الآلات، وأسس ورشة متكاملة للحرف اليدوية. ما بدأ كركن بسيط للتشطيب، تحوّل بسرعة إلى ورشة إنتاج معروفة. وكانت مشاركته في معرض الكرم نقطة تحوّل، حيث لاقت أعماله إعجابًا واسعًا، وبدأ اسمه يتردد، بل وصلت إبداعاته إلى خارج البلاد.
في عام 2022، افتتح رسميًا مشروع “Palmiers Déco”. وبعد سنوات قليلة، دخل برنامج “صمود” على خط البداية كانت مع زوجته التي اكتشفت إعلان الترشح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتقدّما معًا. ورغم صعوبة الاستمارة، إلا أن قيّس تعامل معها بكل جدية. وبفضل دعم “صمود”، حصل على آلات جديدة، ووسّع نشاطه ليشمل الخشب الصناعي (MDF)، وبدأ في تنظيم مشروعه ليأخذ طابعًا مؤسساتيًا يتجاوز حدود الحرفة



لكن ما ترك الأثر الأكبر في نفسه لم يكن الدعم المادي، بل جودة العلاقات الإنسانية. يقول: “الفريق يتمتع بمهنية نادرة.” وبمساعدة برامج أخرى، بدأ في التعرّف على معايير الجودة البيئية ISO 14001، وأعدّ بطاقة تقنية خاصة بخشب النخيل. كما أضاف بُعدًا سياحيًا لمعرضه، من خلال تنظيم زيارات ميدانية، وورشات تطبيقية، وسرد قصص حول مراحل تحويل الخشب. ولم يتوقف عند ذلك، بل أطلق مبادرات لتكوين الشباب في مجال تثمين نفايات النخيل
اليوم، يأتيه الزبائن من جربة، جرجيس، نابل، الحمامات، تونس، وسوسة. رسالته واضحة ومفعمة بالأمل:
“النجاح يتطلب الجدية، والانضباط، وحب العمل المتقن، والقدرة على اقتناص الفرص. وعندما يُقترن الشغف بالإبداع، يمكن تحويل أبسط المواد إلى تحف فنية يعترف بها الجميع.”